فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: الخاشع في صلاته.
وقيل: القائم في صلاته.
وقيل: الدّاعي لربه.
قال النحاس: أصل القنوت الطاعة، فكل ما قيل فيه، فهو داخل في الطاعة، والمراد بآناء الليل: ساعاته.
وقيل: جوفه.
وقيل: ما بين المغرب، والعشاء، وانتصاب {ساجدا وَقَائِمًا} على الحال، أي: جامعًا بين السجود، والقيام، وقدّم السجود على القيام لكونه أدخل في العبادة، ومحل {يَحْذَرُ الأخرة} النصب على الحال أيضًا، أي: يحذر عذاب الآخرة قاله سعيد بن جبير، ومقاتل {وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبّهِ} فيجمع بين الرجاء، والخوف، وما اجتمعا في قلب رجل إلا فاز.
قيل: وفي الكلام حذف، والتقدير: كمن لا يفعل شيئًا من ذلك كما يدل عليه السياق.
ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم قولًا آخر يتبين به الحقّ من الباطل، فقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ} أي: الذين يعلمون أن ما وعد الله به من البعث، والثواب، والعقاب حق، والذين لا يعلمون ذلك، أو الذين يعلمون ما أنزل الله على رسله، والذين لا يعلمون ذلك، أو المراد: العلماء والجهال، ومعلوم عند كل من له عقل أنه لا استواء بين العلم والجهل، ولا بين العالم والجاهل.
قال الزجاج: أي كما لا يستوي الذين يعلمون، والذين لا يعلمون، كذلك لا يستوي المطيع، والعاصي.
وقيل: المراد بالذين يعلمون: هم: العاملون بعلمهم، فإنهم المنتفعون به، لأن من لم يعمل بمنزلة من لم يعلم {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب} أي: إنما يتعظ، ويتدبر، ويتفكر أصحاب العقول، وهم المؤمنون لا الكفار، فإنهم، وإن زعموا أن لهم عقولًا، فهي كالعدم، وهذه الجملة ليست من جملة الكلام المأمور به بل من جهة الله سبحانه.
{قُلْ ياعِبَادِ الذين ءامَنُواْ اتقوا رَبَّكُمْ} لما نفى سبحانه المساواة بين من يعلم، ومن لا يعلم، وبين أنه {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الألباب} أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يأمر المؤمنين من عباده بالثبات على تقواه، والإيمان به.
والمعنى: يا أيها الذين صدّقوا بتوحيد الله اتقوا ربكم بطاعته، واجتناب معاصيه، وإخلاص الإيمان له، ونفي الشركاء عنه، والمراد: قل لهم قولي هذا بعينه.
ثم لما أمر الله سبحانه المؤمنين بالتقوى بين لهم ما في هذه التقوى من الفوائد، فقال: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ في هذه الدنيا حَسَنَةٌ} أي: للذين عملوا الأعمال الحسنة في هذه الدنيا على وجه الإخلاص حسنة عظيمة، وهي: الجنة، وقوله: {فِى هذه الدنيا} متعلق بأحسنوا.
وقيل: هو متعلق بحسنة على أنه بيان لمكانها، فيكون المعنى: للذين أحسنوا في العمل حسنة في الدنيا بالصحة، والعافية، والظفر، والغنيمة، والأوّل أولى.
ثم لما كان بعض العباد قد يتعسر عليه فعل الطاعات، والإحسان في وطنه أرشد الله سبحانه من كان كذلك إلى الهجرة، فقال: {وَأَرْضُ الله وَاسِعَةٌ} أي: فليهاجر إلى حيث يمكنه طاعة الله.
والعمل بما أمر به، والترك لما نهى عنه، ومثل ذلك قوله سبحانه: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة فتهاجروا فِيهَا} [النساء: 97]، وقد مضى الكلام في الهجرة مستوفى في سورة النساء.
وقيل: المراد بالأرض هنا: أرض الجنة، رغبهم في سعتها، وسعة نعيمها كما في قوله: {جَنَّةُ عَرْضُهَا السموات والأرض} [آل عمران: 133]، والأوّل أولى.
ثم لما بيّن سبحانه ما للمحسنين إذا أحسنوا، وكان لابد في ذلك من الصبر على فعل الطاعة، وعلى كفّ النفس عن الشهوات، أشار إلى فضيلة الصبر، وعظيم مقداره، فقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصابرون أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي: يوفيهم الله أجرهم في مقابلة صبرهم بغير حساب، أي: بما لا يقدر على حصره حاصر، ولا يستطيع حسبانه حاسب.
قال عطاء: بما لا يهتدي إليه عقل، ولا وصف.
وقال مقاتل: أجرهم الجنة، وأرزاقهم فيها بغير حساب.
والحاصل: أن الآية تدلّ على أن ثواب الصابرين، وأجرهم لا نهاية له، لأن كل شيء يدخل تحت الحساب، فهو: متناهٍ، وما كان لا يدخل تحت الحساب، فهو: غير متناه، وهذه فضيلة عظيمة، ومثوبة جليلة تقتضي أن على كل راغب في ثواب الله، وطامع فيما عنده من الخير، أن يتوفر على الصبر، ويزّم نفسه بزمامه، ويقيدها بقيده، فإن الجزع لا يردّ قضاء قد نزل، ولا يجلب خيرًا قد سلب، ولا يدفع مكروهًا قد وقع، وإذا تصوّر العاقل هذا حقّ تصوره، وتعقله حقّ تعقله علم أن الصابر على ما نزل به قد فاز بهذا الأجر العظيم، وظفر بهذا الجزاء الخطير، وغير الصابر قد نزل به القضاء شاء أم أبى، ومع ذلك فاته من الأجر ما لا يقادر قدره، ولا يبلغ مداه، فضمّ إلى مصيبته مصيبة أخرى، ولم يظفر بغير الجزع، وما أحسن قول من قال:
أرى الصبر محمودًا وعنه مذاهب ** فكيف إذا ما لم يكن عنه مذهب

هناك يحق الصبر والصبر واجب ** وما كان منه للضرورة أوجب

ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم بما أمر به من التوحيد، والإخلاص، فقال: {قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصًا لَّهُ الدين} أي: أعبده عبادة خالصة من الشرك، والرّياء، وغير ذلك؛ قال مقاتل: إن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على الذي أتيتنا به، ألا تنظر إلى ملة أبيك، وجدّك، وسادات قومك يعبدون اللات، والعزّى، فتأخذ بها؟ فأنزل الله الآية، وقد تقدّم بيان معنى الآية في أوّل هذه السورة {وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ المسلمين} أي: من هذه الأمة، وكذلك كان صلى الله عليه وسلم، فإنه أوّل من خالف دين آبائه، ودعا إلى التوحيد، واللام للتعليل، أي: وأمرت بما أمرت به لأجل أن أكون.
وقيل: إنها مزيدة للتأكيد، والأوّل أولى.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ الله غَنِىٌّ عَنكُمْ} يعني: الكفار الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم، فيقولون لا إله إلا الله، ثم قال: {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} وهم: عباده المخلصون الذين قال: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان} [الإسراء: 65]، فألزمهم شهادة أن لا إله إلا الله، وحببها إليهم.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} قال: لا يرضى لعباده المسلمين الكفر.
وأخرج عبد بن حميد، عن قتادة قال: والله ما رضي الله لعبد ضلالة، ولا أمره بها، ولا دعا إليها، ولكن رضي لكم طاعته، وأمركم بها، ونهاكم عن معصيته.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر عن ابن عمر: أنه تلا هذه الآية: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءانَاء اليل ساجدا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الأخرة} قال: ذاك عثمان بن عفان، وفي لفظ: نزلت في عثمان بن عفان.
وأخرج ابن سعد في طبقاته، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ} الآية قال: نزلت في عمار بن ياسر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {يَحْذَرُ الأخرة} يقول: يحذر عذاب الآخرة.
وأخرج الترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن أنس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل، وهو في الموت، فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله، وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله الذي يرجو، وأمنه الذي يخاف» أخرجوه من طريق سيار بن حاتم، عن جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس.
قال الترمذي: غريب، وقد رواه بعضهم عن ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {قُلْ إِنِّى أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}.
مضى القولُ في معنى الإخلاص. وفي الخبر: إن الله يقول: «الإخلاص سِرٌّ بين الله وعَبْدِه».
ويقال الإخلاصُ لا يُفْسِدُه الشيطان ولا يطَّلِعُ عليه المَلَكَان.
{أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ} {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} في وقتي وفي شرعي. والإسلامُ الانقيادُ لله بكل وجه.
{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)} أخاف أصنافَ العذابِ التي تحصل في ذلك اليوم.
{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14)} هذا غاية الزجر والتهديد، ثم بيَّنَ أن ذلك غاية الخسران، وهو الخزي والهوان. والخاسِرُ- علىلحقيقة- مَنْ خَسِرَ دنياه بمتابعة الهوى، وخَسِرَ عُقُباه بارتكابه ما الربُّ عنه نَهَى، وخَسِرَ مولاه فلم يستح منه فيما رأى.
{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (16)} أحاط بهم سُرَادقُها؛ فهم لا يخرجون منها، ولا يَفْتُرُون عنها. كما أنهم اليومَ في جهنم عقائدِهم؛ يستديم حجابُهم، ولا ينقطع عنهم عقابهم.
{ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ} إِنْ خِفْتَ اليومَ كُفِيتَ خوفَ ذلك اليوم وإِلاَّ فبين يديك عقبة كَؤُود. اهـ.

.قال السبكي:

قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْله تعالى: {قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} أَمَرَهُ بِالْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ يَخْتَصُّ اللَّهَ وَحْدَهُ دُونَ غَيْرِهِ بِعِبَادَتِهِ مُخْلِصًا لَهُ دِينَهُ، وَأَجَادَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ ذَلِكَ لَكِنْ مِنْ تَتِمَّتِهِ أَنَّ هَذَا الِاخْتِصَاصَ لَا يَجْعَلُهُ مِثْلَ مَا وَإِلَّا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَإِنَّك لَوْ قُلْت: لَا أَعْبُدُ إلَّا اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي إنْ قَدَّرْت {مُخْلِصًا} مَعْمُولَ {أَعْبُدُ} مُتَقَدِّمًا عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ كُنْت قَدْ خَصَصْت اللَّهَ بِالْإِخْلَاصِ لَا بِأَصْلِ الْعِبَادَةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ؛ بَلْ اللَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْعِبَادَةِ وَبِالْإِخْلَاصِ وَإِنْ قَدَّرْت الِاسْتِثْنَاءَ مُتَقَدِّمًا و{مُخْلِصًا} مَعْمُولٌ لِ أَعْبُدُ عَلَى حَالِهِ لَمْ يَجُزْ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَإِنْ قَدَّرْت لَهُ فِعْلًا آخَرَ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ.
وَكُلُّ ذَلِكَ إنَّمَا لَزِمَ بِالتَّصْرِيحِ بِأَدَاةِ الْحَصْرِ.
أَمَّا التَّقْدِيمُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْحَصْرَ لَيْسَ مِنْ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ فَحَوَى الْكَلَامِ.
فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ النَّحْوِيُّ فِي تَأَخُّرِ الْحَالِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ انْتَهَى.
{فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْمُرَادُ بِهَذَا الْأَمْرِ الْوَارِدِ عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْخِذْلَانِ وَالتَّخْلِيَةِ.
عَلَى مَا حَقَقْت الْقَوْلَ فِيهِ مَرَّتَيْنِ، قُلْت وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَعْنًى حَسَنٌ، وَهُوَ مُغَايِرٌ لِمَعْنَى التَّهْدِيدِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأُصُولِيُّونَ فِي {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} أَوْ هُوَ هُوَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرَّرَ ذَلِكَ.
فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَتَزْدَادُ مَعَانِي صِيغَةِ افْعَلْ مَعْنًى آخَرَ وَكَانَ الزَّمَخْشَرِيُّ قَدْ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قوله: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِك} إنَّهُ مِنْ بَابِ الْخِذْلَانِ وَالتَّخْلِيَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: إذْ قَدْ أَبَيْت قَبُولَ مَا أُمِرْت بِهِ مِنْ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ فَمِنْ حَقِّك أَنْ لَا تُؤْمَرَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَتُؤْمَرَ بِتَرْكِهِ مُبَالَغَةً فِي خِذْلَانِهِ وَتَخْلِيَتِهِ وَشَأْنِهِ لِأَنَّهُ لَا مُبَالَغَةَ فِي الْخِذْلَانِ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُبْعَثَ عَلَى عَكْسِ مَا أُمِرَ بِهِ وَنَظِيرُهُ فِي الْمَعْنَى قوله: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} قُلْت: وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْنَى التَّهْدِيدِ، وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ، كَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَعْبُدُ اللَّهَ وَمَا أَحَدٌ غَيْرَهُ يُعْبَدُ، فَأَنْتُمْ إذَا لَمْ تُوَافِقُونِي اُعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ فَلَمْ تَجِدُوا شَيْئًا.
وَنَظِيرُهُ أَنْ تَقُولَ لِمَنْ يُجَادِلُك وَقَدْ ذَكَرْت لَهُ الْقَوْلَ الْحَقَّ الَّذِي لَا مَحِيصَ عَنْهُ: أَنَا قُلْت هَذَا فَقُلْ أَنْتَ مَا تَشْتَهِي يَعْنِي أَنَّهُ مَنْ قَالَ خِلَافَهُ فَلَا شَيْءَ فَهُوَ مِثَالٌ لِفَسَادِ مَا يَقُولُهُ وَإِنْ لَمْ يُرَتَّبْ عَلَيْهِ وَعِيدَانِ قَصَدْت تَرْتِيبَ وَعِيدٍ عَلَيْهِ فَهُوَ التَّهْدِيدُ انْتَهَى. اهـ.

.بحث بعنوان: نور الإخلاص وظلمات إرادة الدنيا بعمل الآخرة في ضوء الكتاب والسنة:

د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد.
فهذه رسالة مختصرة في نور الإخلاص وظلمات إرادة الدنيا بعمل الآخرة بينت فيها: مفهوم الإخلاص وأهميته، ومكانة النية الصالحة، وذكرت خطر إرادة الدنيا بالعمل الصالح، وأنواع العمل للدنيا، وخطر الرياء، وأنواعه، وأقسامه، وأثره على العمل، وأسبابه ودوافعه، وطرق تحصيل الإخلاص.
ولا شك أن الإخلاص سبب للنصر، والنجاة من عذاب الله، ورفع المنزلة في الدنيا والآخرة، والفوز بحب الله، ثم حب أهل السماوات والأرض للمخلص، وهذا في الحقيقة نور يقذفه الله في قلب من شاء من عباده: {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} [النور: 40]، وإرادة الدنيا بعمل الآخرة، ظلمات متراكمة بعضها فوق بعض؛ لأن ذلك ينافي كمال التوحيد ويحبط العمل الذي قارنه، قال الله عز وجل: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} [هود: 15، 16].
وقد قسمت هذا البحث إلى مبحثين، وتحت كل مبحث مطالب على النحو الآتي:
المبحث الأول: نور الإخلاص.
المطلب الأول: مفهوم الإخلاص.
المطلب الثاني: أهمية الإخلاص.
المطلب الثالث: مكانة النية الصالحة وثمراتها.
المطلب الرابع: ثمار الإخلاص وفوائده.
المبحث الثاني: ظلمات إرادة الدنيا بعمل الآخرة.
المطلب الأول: خطر إرادة الدنيا بعمل الآخرة.
المطلب الثاني: أنواع العمل للدنيا.
المطلب الثالث: خطر الرياء وأضراره.
المطلب الرابع: أنواع الرياء ودقائقه.
المطلب الخامس: أقسام الرياء وأثره على العمل.
المطلب السادس: أسباب الرياء ودوافعه.
المطلب السابع: طرق تحصيل الإخلاص وعلاج الرياء.
والله أسأل باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب أن يجعل هذا العمل القليل مباركا خالصا لوجهه الكريم، مقربا لمؤلفه، وقارئه، وطابعه، وناشره، من الفردوس الأعلى من الجنة، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه، فإنه تعالى خير مسؤول وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف.
حرر في عصر يوم الثلاثاء الموافق /1419هـ.